الموت الأبيض لفرانك هربرت: الرواية المنسية التي قارعت
ملحمة جويس يوليسيس
مقدمة:
هل أخفى ظل كثبان تحفة أدبية؟
يُعدّ الكاتب الأمريكي ذو الأصول الإيرلندية، فرانك هربرت، أيقونة في أدب الخيال العلمي بفضل ملحمته الخالدة كثبان (Dune). لكن في خضم صدى هذه
الرواية الفلسفية والملحمية طغت شهرتها على أعمال أخرى لا تقل عمقاً، أبرزها
رواية الموت الأبيض (The White Plague.
 |
| "الموت الأبيض لفرانك هربرت: الرواية المنسية التي قارعت ملحمة جويس يوليسيس |
"الموت الأبيض لفرانك هربرت: الرواية المنسية التي قارعت ملحمة جويس يوليسيس
يذهب النقاد إلى أن الموت
الأبيض التي صدرت بعد عقود من كثبان لم تنَلْ حقها من النجاح،
لكنها في الحقيقة تقدم تجربة سردية متفردة تمزج بين إرهاب العصر الحديث والبحث
المعمق في الروح الإيرلندية. يصل هربرت في هذه الرواية إلى تخوم الأدب الكلاسيكي،
ليضع عمله في مصاف الأعمال التأملية الكبرى، حتى قيل إنها محاولة أدبية لمقارعة جيمس جويس وروايته يوليسيس
الموت الأبيض الخروج من عباءة الخيال العلمي
على عكس كثبان التي رسّخت هربرت كعملاق في فضاءات الخيال
العلمي، تُصنَّف
الموت الأبيض كعمل أكثر معاصرة وراهنية.
هي رواية إرهاب كبرى في ظاهرها، لكنها في عمقها تحوّل موضوع الإرهاب إلى خلفية
لمقاربة فكرية متفردة حول الإرهاب المضاد والجنون الناتج عن الفقد.
تنجح الرواية في تجاوز حدود النوع (Genre)
لتعلن انتماءها إلى الأدب
الكبير، وذلك من خلال الأسلوب واللغة اللذين اقتربا بشكل مذهل من الروح
الإيرلندية، الأمر الذي يجعل القارئ ينتبه إلى أن الكاتب يتخطى حدود الرواية
الخيالية الرائجة إلى عمل يتّسم بالتأمل والتحليل النفسي العميق، مقارباً أدب جويس في دلالاته.
دبلن..
والحكاية المأساوية للانتقام
تدور أحداث الرواية بشكل رئيسي في إيرلندا وتحديداً مدينة دبلن، بطلها هو جون رو أونيل (John Roe O'Neill)، الرجل الإيرلندي شديد العادية. تتخذ حياته منعطفاً
كارثياً عندما تُباد زوجته وولداه في انفجار سيارة مفخخة كعمل إرهابي جماعي، بينما
ينجو هو.
هذا الفقد المأساوي يطلق شرارة جنون الانتقام لدى رو أونيل. وإذ لا يعرف هوية الإرهابيين، يقرر أن يكون انتقامه على نفس
مستوى القسوة، لكن بطريقة "مبتكرة
- ·
الدافع: حُرم من زوجته الحبيبة.
- ·
الهدف: حرمان جميع الرجال من
نسائهم الحبيبات.
- ·
الوسيلة: يستخدم رو أونيل تحضيراً
كيماوياً لينفذ عملية إبادة جماعية للنساء، خالقاً عالماً للرجال خالياً من العنصر
النسائي.
الجنون
التأملي والمقارعة الجويسية
القسم الثاني والأهم من الرواية لا يركز على الأحداث المتلاحقة بقدر ما
يغوص في التأملات والتحضيرات النفسية لرو أونيل. فالانتقام لا يدور على أرض الواقع فقط، بل
في عمق تفكير البطل وهو يتخيل ضحاياه يعيشون نفس لحظات الحرمان والدمار التي عاشها.
يستخدم هربرت أسلوباً روائياً
يمكّنه من الانتقال من العالم المنطقي
القاسي إلى عالم
نصف متخيل/ نصف واقعي يسيطر عليه جنون المنتقم. فالإيلام هنا ليس
بالقتل، بل بفعل
الكيمياء الأكثر قسوة المتمثلة في خلق عالم بلا نساء،
ليكتشف الرجال معنى الحرمان.
تتجلى المقاربة مع يوليسيس في القسم الثالث من
الرواية، حيث يصل رو أونيل إلى جولته الإيرلندية الأخيرة في عالم مباد. هذه الجولة/الأنشودة،
التي تسيطر عليها الوداعة والرومانسية، تكشف كنه فعل جون رو أونيل وربطها بالروح
الإيرلندية.
فى الختام
هنا، لا تعود الرواية مجرد حكاية إرهاب أو خيال علمي، بل تصبح رواية تأملية كبرى تغوص في أعماق النفس الإيرلندية في مواجهة الكارثة، وهو ما لم يجرؤ عليه
كاتب آخر ليقترب من عظمة عمل جيمس جويس.